1 تعليقات

  1. قد يكوِّن اللقاء الأول مع الشخص نظرة إما تكون له أو ضده، لكن الوقت كفيل بتصويب تلك اللوحة و تغيير الإنطباع الأولي الذي تركه في أنفسنا..

    أعجبني المثال الذي ضربته و تحليلك في محله، بل كلنا يقع في مواقف مشابهة لتلك، و من الحكمة أن يتريث الشخص في حكمه على من حوله و مهم جدا أن لا يسيء الظن لأنه من الأشياء التي تخلق العداوة,

    بورك قلمك أخي و جزيت خيرا على مثل هذه الباقة
    تقبل مروري و دمت بحفظ الرحمن

    ردحذف

هل الصورة فعلاً مكتملة!





في كل يوم نلتقي بأشخاص، وبناء على اللقاء الأول؛ تبدأ الصورة الذهنية لهم بالتشكل في عقولنا، ومع مزيد تواصل معهم يزداد وضوح الصورة أكثر فأكثر..
والعجيب في الأمر أن الكثير والكثير من الأشخاص لا يسمح للصورة بأن تكتمل تدريجياً! بل يبادر بإمساك ريشته ليكمل رسم الصورة، بغض النظر عن مدى مهارته في الرسم!
على سبيل المثال، قد تلتقي بشخص عابس الملامح جاف في تعامله، فتبدأ برسم صورة ذهنية لبقية يومه، فتراه في مخيلتك شخصاً مغروراً، حاد الطباع، ينفر منه أهله قبل زملاءه، مما ينعكس – تلقائياً – على طبيعة تعاملك معه، لتجد أنك حذر جداً عندما تكون بحضرته، وأنك مستعد لتفسير أي قول أو حركة تصدر منه بأنها هجوم لا بد من أن تكون مستعداً لصده أو تجنبه!
وعلى النقيض، قد تلتقي بشخص بشوش سمح، فتختار لريشتك الألوان الزاهية، لترسم بها صورة لواقع  جميل يعيشه هذا الشخص، واقع خال من العيوب.. من ثم تفتح له باب قلبك على مصراعيه، وتعمي عينيك عن كثير من هفواته، لأنه شخص كامل، وفقاً للصورة التي رسمتها له!
وهكذا.. نستمر في رسم لوحات ” متطرفة “، نعم متطرفة، لأنها تبلور الشخص الذي أمامك في صورة إما جميلة جداً أو قبيحة جداً، دون أي توسط في ذلك!
والحقيقة أن أبعاد هذا النوع من الرسم لا يقتصر على أسلوب التعامل فحسب، بل يتعداه ليصل لمرحلة ” افتراض نمط معين للسلوك ” ينبغي أن لا يحيد عنه الشخص الآخر، وإن حاد عنه، فإنه سيكون قد عرض نفسه لنيران النقد اللاذع! والذي سيمتد ليطال قبيلته أو الاتجاه الذي يمثله!
ولنفرض أنك التقيت بشخص تظهر عليه علامات التدين، وخلال أسبوع من التعامل معه، كان يتأكد لك مدى صلاح هذا الشخص وصفاء نيته، وفي أحد الأيام يتلقى الشخص مكالمة عبر جواله، فتنطلق نغمة موسيقية صاخبة منه. الآن.. ونحن نعيش في وسط يعتبر عدم  الاستماع للموسيقى معياراً للحكم على صدق تدين الشخص، كيف ستصبح نظرتك له؟
كثيرون، سيبدؤن بنعت هذا الشخص بالمنافق! ويتسابقون في توجيه نظرات تحمل في طياتها ” كان العشم فيك أكبر ” أو ” يا خسارة، طحت من عيني ” أو ” من برّه هالله هالله، ومن جوه يعلم الله! “..
بينما البعض، سينتظر تفسيراً لسبب استخدام هذا الشخص للموسيقى كنغمة جوال!
والبعض الآخر، قد يفرح، ولسان حاله ” والله هالمطوع فلّة! “
بل هناك فئة، ستستخدم هذا الموقف مادة لإثبات نظرياتها حول الإسلاميين والمتدينين وخباياهم!!!!!!!!!!
حسناً.. بعيداً عن هذه التعليقات، يا هل ترى ما هي الدوافع وراء استخدام هذه النغمة الموسيقية لذلك الشخص؟
قد يكون أحد أقارب هذا الشخص قد تلاعب في النغمات دون علم صاحبنا، وقد يكون أخانا متساهلاً في الأحكام الخاصة بالاستماع للموسيقى، وقد يكون عطل فني في الجهاز يتسبب في تغير النغمات بدون اختيار صاحبها.. إلخ من الأسباب.. وأياً كان دافعه، فإن هذا الشخص يظل إنساناً، يصيب ويخطيء، وليس ملاكاً سالماً من الخطايا والعيوب، وسنحسن إلى أنفسنا وإليه إن نحن اكتفينا بنصيحة رقيقة أو عتاب محب منبعه حسن الظن بأخ لنا في الله..
ما يستوقفني الآن، هو الخلفية لتصرفنا في تلك اللحظة..
لو تأملنا في جميع ردود الأفعال السابقة سنجد أننا نحن من نرسم صورة الآخرين لدينا، و نحن من يفترض نموذجاً لتصرفاتهم، و نحن من ينفعل إن أظهر له الآخر ما يخالف الصورة المرسومة!!
وإن ضيقنا دائرة الضوء أكثر، وركزنا على تصرفنا كأفراد، فسنجد أن كلمة نحن ستصبح أنا ..
وهكذا.. نجد أنفسنا في عالم تحكمه الأنا .. فأنا من يرسم ويفترض ويقيم ويحكم.. والطرف الآخر هو إما ممثل ينبغي أن يتقن دوره المفترض له، أو متهم حتى تثبت براءته..
وستظل هذه الأنا غمامة تحجب عن أعيننا الحقيقة، ومعول يهدم فرص تكوين العلاقات الناجحة، ما دمنا لا نتيح الفرصة لظهور صفات مثل: حسن الظن و احترام الآخرين و قبول الآخرين كما هم و حسن الخلق ..
أخيراً أتوجه بالطلب لنفسي قبل أي قارئ يمر بأحرفي، أن نكون أكثر حذراً عندما يتعلق الأمر برسم صورة للآخرين في أذهاننا، فليس من الحكمة ولا التعقل أن نحاسب الآخرين على عدم مطابقتهم للصورة التي رسمناها في الأذهان عنهم!

أحدث أقدم